فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا}
بين أنه أتبع النبي النبيّ لإقامة الحجة، وإزاحة كل علّة {بِآيَاتِنَا} أي بالتوراة.
وقيل: بالمعجزات.
{وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي حجة بيّنة؛ يعني العصا.
وقد مضى في آل عمران معنى السلطان واشتقاقه فلا معنى للإعادة.
{إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} أي شأنه وحاله، حتى اتخذوه إلها، وخالفوا أمر الله تعالى.
{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي بسديد يؤدّي إلى صواب: وقيل: {بِرَشِيدٍ} أي بمرشد إلى خير.
قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة} يعني أنه يتقدمهم إلى النار إذ هو رئيسهم.
يقال: قَدَمهم يقدُمُهم قدمًا وقُدُومًا إذا تقدّمهم.
{فَأَوْرَدَهُمُ النار} أي أدخلهم فيها.
ذُكِر بلفظ الماضي؛ والمعنى فيوردهم النار؛ وما تحقق وجوده فكأنه كائن؛ فلهذا يُعبَّر عن المستقبل بالماضي.
{وَبِئْسَ الورد المورود} أي بئس المدخل المدخول؛ ولم يقل بئست لأن الكلام يرجع إلى المورود، وهو كما تقول: نعم المنزل دارك، ونعمت المنزل دارك.
والمورود الماء الذي يورد، والموضع الذي يورد؛ وهو بمعنى المفعول.
قوله تعالى: {وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً} أي في الدنيا.
{وَيَوْمَ القيامة} أي ولعنة يوم القيامة؛ وقد تقدّم هذا المعنى.
{بِئْسَ الرفد المرفود} حكى الكسائي وأبو عبيدة: رَفَدْتُه أَرْفِدُه رَفْدًا؛ أي أعنته وأعطيته.
واسم العطية الرَّفْد؛ أي بئس العطاء والإعانة.
والرفد أيضًا القدح الضخم؛ قاله الجوهري، والتقدير: بئس الرفد رِفد المرفود.
وذكر الماوردي: أن الرَّفد بفتح الراء القدح، والرفد بكسرها ما في القدح من الشراب؛ حكي ذلك عن الأصمعي؛ فكأنه ذمّ بذلك ما يسقونه في النار. وقيل: إن الرفد الزيادة؛ أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النارُ؛ قاله الكلبي. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} يعني بحججنا والبراهين التي أعطيناه الدالة على صدقه ونبوته: {وسلطان مبين} يعني ومعجزة باهرة ظاهرة دالة على صدقة أيضًا قال بعض المفسرين المحققين سميت الحجة سلطانًا لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه كالسلطان يقهر غيره، وقال الزجاج: السلطان هو الحجة وسمي السلطان سلطانًا لأنه حجة الله في الأرض: {إلى فرعون وملئه} يعني أتباعه وأشراف قومه: {فاتبعوا أمر فرعون} يعني ما هو عليه من الكفر وترك الإيمان بما جاءهم به موسى: {وما أمر فرعون برشيد} يعني وما طريق فرعون وماهو عليه بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} يعني كما تقدم قومه فأدخلهم البحر في الدنيا كذلك يتقدم قومه يوم القيامة فيدخلهم النار ويدخل هو أمامهم، والمعنى كما كان قدوتهم في الضلال والكفر في الدنيا فكذلك هو قدوتهم وإمامهم في النار: {وبئس الورد المورود} يعني: وبئس الدخل المدخول فيه وقيل شبه الله تعالى فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بمن يتقدم على الوارد إلى الماء وشبه أتباعه بالواردين بعده ولما كان ورود الماء محمودًا عند الواردين لأنه يكسر العطش قال في حق فرعون وأتباعه فأوردهم النار وبئس الورد المورود لأن الأصل فيه قصد الماء واستعمل في ورود النار على سبيل الفظاعة: {وأتبعوا في هذه} يعني في هذه الدنيا: {لعنة} يعني طردًا وبعدًا عن الرحمة: {ويوم القيامة} يعني وأتبعوا لعنة أخرى يوم القيامة مع اللعنة التي حصلت لهم في الدنيا: {بئس الرفد المرفود} يعني بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعنة في الآخرة وقيل معناه بئس العطاء المعطى وذلك أن ترادف عليهم لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
الورد قال ابن السكيت: هو ورود القوم الماء، والورد الإبل الواردة انتهى.
فيكون مصدرًا بمعنى الورود، واسم مفعول في المعنى كالطحن بمعنى المطحون.
رفد الرجل يرفده رفًا ورفدًا أعطاه وأعانه، من رفد الحائط دعمه، وعن الأصمعي الرفد بالفتح القدح، والرفد بالكسر ما في القدح من الشراب. وقال الليث: أصل الرفد العطاء والمعونة، ومنه رفادة قريش يقال رفده يرفده رفدًا ورفدًا بكسر الراء وفتحها، ويقال بالكسر الاسم وبالفتح المصدر.
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود}: الآيات المعجزات التسع: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ومنهم من أبدل النقص بإظلال الجبل. وقيل: الآيات التوراة، وهذا ليس بسديد، لأنه قال إلى فرعون وملائه، والتوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملائه. والسلطان المبين هو الحجج الواضحة، ويحتمل أن يريد بقوله: وسلطان مبين فيها أي في الآيات، وهي دالة على صدق موسى عليه السلام.
ويحتمل أن يريد بها العصا لأنها أبهر تلك الآيات، فنص عليها كما نص على جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة على سبيل التشريف بالذكر.
والظاهر أن يراد بقوله: أمر فرعون أمره إياهم بالكفر وجحد معجزات موسى، ويحتمل أن يريد الطريق والشان.
وما أمر فرعون برشيد: نفى عنه الرشد، وذلك تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل.
وذلك أنه ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم.
عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام، وعلموا أن معه الرشد والحق، ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في اتباعه رشد.
ويحتمل أن يكون رشيد بمعنى راشد، ويكون رشيد بمعنى مرشد أي بمرشد إلى خير.
وكان فرعون دهريًا نافيًا للصانع والمعاد، وكان يقول: لا إله للعالم، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم، فلذلك كان أمره خاليًا عن الرشد بالكلية.
والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى، والغي ضده.
ويقال: قدم زيد القوم يقدم قدمًا، وقدومًا تقدمهم والمعنى: أنه يقدم قومه المغرقين إلى النار، وكما كان قدوة في الضلال متبعًا كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، ويحتمل أن يكون قوله: برشيد بحميد، العاقبة، ويكون قوله: يقدم قومه، تفسيرًا لذلك وإيضاحًا أي: كيف يرشد أمر من هذه عاقبته؟ وعدل عن فيوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة، فكأنه قد وقع، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف.
أو هو ماض حقيقة أي: فأوردهم في الدنيا النار أي: موجبه وهو الكفر.
ويبعد هذا التأويل الفاء والورود في هذه الآية.
ورود الخلود وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله: {ولما ورد ماء مدين} ويحتمل أن تكون النار تصيبه على إعمال الثاني لأنه تنازعه يقدم أي: إلى النار وفأوردهم، فأعمل الثاني وحذف معمول الأول.
والهمزة في فأوردهم للتعدية، ورد يتعدى إلى واحد، فلما أدخلت الهمزة تعدى إلى اثنين، فتضمن واردًا ومورودًا.
ويطلق الورد على الوارد، فالورد لا يكون المورود، فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم، فالتقدير: وبئس مكان الورد المورود ويعني به النار.
فالورد فاعل ببئس، والمخصوص بالذم المورود وهي النار.
ويجوز في إعراب المورود ما يجوز في زيد من قولك: بئس الرجل زيد، وجوز ابن عطية وأبو البقاء أن يكون المورود صفة للورد أي: بئس مكان الورد المورود النار، ويكون المخصوص محذوفًا لفهم المعنى، كما حذف في قوله: {فبئس المهاد} وهذا التخريج يبتني على جواز وصف فاعل نعم وبئس، وفيه خلاف.
ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز، وقال الزمخشري: والورد المورود الذي وردوه شبهه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء، وشبه اتباعه بالواردة، ثم قيل: بئس الورد الذي يردونه النار، لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد، والنار ضده انتهى.
وقوله: والورد المورود إطلاق الورد على المورود مجاز، إذ نقلوا أنه يكون صدرًا بمعنى الورود، أو بمعنى الواردة من الإبل وتقديره: بئس الورد الذي يردونه النار، يدل على أنّ المورود صفة للورد، وأن المخصوص بالذم محذوف، ولذلك قدّره النار.
وقد ذكرنا أن ذلك يبتني على جواز وصف فاعل بئس ونعم.
وقيل: التقدير بئس القوم المورود بهم هم، فيكون الورد عنى به الجمع الوارد، والمورود صفة لهم، والمخصوص بالذم الضمير المحذوف وهو هم، فيكون ذلك ذمًا للواردين، للا ذمًا لموضع الورود.
والإشارة بقوله: في هذه إلى الدنيا وقد جاء مصرحًا بها في قصة هود، ودل عليها قوله: ويوم القيامة، لأنه الآخرة.
فيوم معطوف على موضع في هذه، والمعنى: أنهم ألحقوا لعنة في الدنيا وفي الآخرة.
قال الكلبي: في هذه لعنة من المؤمنين أو بالغرق، ويوم القيامة من الملائكة أو بالنار.
وقال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أنّ التقسيم هو أنّ لهم في الدنيا لعنة، ويوم القيامة يرفدون به فهي لعنة واحدة أولًا، وقبح ارفادًا آخرًا انتهى.
وهذا لا يصح لأنّ هذا التأويل يدل على أنّ يوم القيامة معمول لبئس، وبئس لا يتصرف، فلا يتقدم معمولها عليها، فلو تأخر يوم القيامة صح كما قال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ** دعيت نزال ولج في الذعر

وقال الزمخشري: بئس الرفد المرفود رفدهم، أي: بئس العون المعان، وذلك أنّ اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له، وقد رفدت باللعنة في الآخرة.
وقيل: بئس العطاء المعطى انتهى.
ويظهر من كلامه أنّ المرفود صفة للرفد، وأنّ المخصوص بالذم محذوف تقديره: رفدهم، وما ذكر من تفسيره أي بئس العون المعان هو قول أبي عبيدة، وسمى العذاب رفدًا على نحو قولهم:
تحية بينهم ضرب وجيع

وقال الكلبي: الرفد الرفادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا}
وهي الآياتُ التسعُ المفصّلاتُ التي هي العصا واليدُ البيضاءُ والطوفانُ والجرادُ والقُمّلُ والضفادعُ والدمُ ونقصُ الثمراتِ والأنفسِ ومن جعلهما آيةً واحدةً وعدّ منها إظلالَ الجبل وليس كذلك فإنه لقبول أحكامِ التوراةِ حين أباه بنو إسرائيلَ، والباءُ متعلقةٌ بمحذوف وقع حالًا من مفعول أرسلنا أو نعتًا لمصدره المؤكّد أي أرسلناه حال كونِه ملتبسًا بآياتنا أو أرسلناه إرسالًا ملتبسًا: {وسلطان مُّبِينٍ} هو المعجزاتُ الباهرةُ منها أو هو العصا، والإفرادُ بالذكر لإظهار شرفِها لكونها أبهرَها أو المرادُ بالآيات ما عداها أو هما عبارتان عن شيء واحد، أي أرسلناه بالجامع بين كونِه آياتِنا وبين كونِه سلطانًا له على نبوّته واضحًا في نفسه أو موضّحًا إياها، من أبان لازمًا ومتعدّيًا، أو هو الغلبةُ والاستيلاءُ كقوله تعالى: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} ويجوز أن يكون المرادُ ما بيّنه عليه السلام في تضاعيف دعوتِه حين قال له فرعونُ: {مِنْ رَبّكُمَا}، {فَمَا بَالُ القرون الاولى} من الحقائق الرائقةِ والدقائقِ اللائقةِ وجعلُه عبارةً عن التوراة وإدراجُها في جملة الآيات يردّه قولُه عز وجل: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} فإن نزولَها إنما كان بعد مهلِك فرعونَ وقومِه قاطبةً ليعمل بها بنو إسرائيلَ فيما يأتون وما يذرون، وأما فرعونُ وقومُه فإنما كانوا مأمورين بعبادة ربِّ العالمين عزَّ سلطانُه وتركِ العظيمةِ الشنعاءِ التي كان يدعيها الطاغيةُ وتقبلها منه فئتُه الباغية، وبإرسال بني إسرائيلَ من الأسر والقسْرِ، وتخصيصُ ملئه بالذكر مع عموم رسالتِه عليه السلام لقومه كافة لأصالتهم في الرأي وتدبيرِ الأمور واتباعِ غيرِهم لهم في الورود والصدور، وإنما لم يصرَّح بكفر فرعونَ بآيات الله تعالى وانهماكه فيما كان عليه من الضلال والإضلال بل اقتصر على ذكر شأن ملئِه فقال: {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} أي أمرَه بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام من الحق المبين للإيذان بوضوح حالِه فكأن كفرَه وأمْرَ ملئِه بذلك أمرٌ محققُ الوجودِ غيرُ محتاجٍ إلى الذكر صريحًا، وإنما المحتاجُ إلى ذلك شأن ملئِه المترددين بين هادٍ إلى الحق وداعٍ إلى الضلال فنعى عليهم سوءَ اختيارِهم، وإيرادُ الفاء في اتّباعهم المترتبِ على أمر فرعونَ المبنيِّ على كفره المسبوقِ بتبليغ الرسالةِ للإشعار بمفاجأتهم في الاتباع ومسارعةِ فرعونَ إلى الكفر وأمرِهم به، فكأن ذلك كلّه لم يتراخَ عن الإرسال والتبليغِ بل وقع جميعُ ذلك في وقت واحد فوقع إثرَ ذلك اتباعُهم. ويجوز أن يرادَ بأمر فرعونَ شأنُه المشهورُ وطريقتُه الزائغةُ فيكون معنى فاتبعوا فاستمرّوا على الاتّباع، والفاءُ مثلُ ما في قولك: وعظتُه فلم يتعظْ وصِحْتُ به فلم ينزجِرْ، فإن الإتيانَ بالشيء بعد ورودِ ما يوجب الإقلاعَ عنه وإن كان استمرارًا عليه لكنه بحسب العُنوانِ فعلٌ جديدٌ وصنعٌ حادثٌ فتأمل. وتركُ الإضمارِ لدفع توهُّمِ الرجوعِ إلى موسى عليه السلام من أول الأمرِ ولزيادة تقبيحِ حال المتبعين، فإن فرعونَ علَمٌ في الفساد والإفساد والضلالِ والإضلال فاتباعُه لفَرْط الجهالِة وعدمِ الاستبصار، وكذا الحالُ في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} الرُّشدُ ضدُّ الغِيّ وقد يراد به محموديّةُ العاقبةِ فهو على الأول بمعنى المُرشد حقيقةٌ لغويةٌ والإسنادُ مجازيٌّ وعلى الثاني مجازٌ والإسناد حقيقيٌّ.
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ} جميعًا من الأشراف وغيرِهم: {يَوْمُ القيامة} أي يتقدّمهم، من قدَمه بمعنى تقدّمه وهو استئنافٌ لبيان حالِه في الآخرة أي كما كان قدوةً لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، أو لتوضيح عدمِ صلاحِ مآلِ أمرِه وسوءِ عاقبتِه: {فَأَوْرَدَهُمُ النار} أي يوردهم، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدلالة على تحقق الوقوعِ لا محالة، شُبّه فرعونُ بالفارط الذي يتقدم الواردةَ إلى الماء، وأتباعُه بالواردة، والنارُ بالماء الذي يرِدُونه ثم قيل: {وَبِئْسَ الورد المورود} أي بئس الوردُ الذي يرِدونه النارُ، لأن الورد إنما يراد لتسكين العطشِ وتبريدِ الأكباد والنارُ على ضد ذلك.
{واتبعوا} أي الملأُ الذين اتّبعوا أمرَ فرعون: {فِى هذه} أي في الدنيا: {لَّعْنَةُ} عظيمةً حيث يلعنهم مَنْ بعدهم من الأمم إلى يوم القيامة: {وَيَوْمَ القيامة} أيضًا حيث يلعنهم أهلُ الموقفِ قاطبةً فهي تابعةٌ لهم حيثما ساروا دائرةٌ معهم أينما داروا في الموقف، فكما اتّبعوا فرعونَ اتّبعتْهم اللعنةُ في الدارين جزاء وفاقًا، واكتُفي ببيان حالِهم الفظيعِ وشأنِهم الشنيعِ عن بيان حالِ فرعونَ إذ حين كان حالُهم هكذا فما ظنُّك بحال مَن أغواهم وألقاهم في هذا الضلال البعيد وحيث كان شأنُ الأتباع أن يكونوا أعوانًا للمتبوع جُعلت اللعنةُ رِفدًا لهم على طريقة التهكّم فقيل: {بِئْسَ الرفد المرفود} أي بئس العونُ المُعانُ، وقد فُسر الرفدُ بالعطاء ولا يلائمه المقام، وأصلُه ما يضاف إلى غيره ليُعمِّده والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي رفدُهم وهي اللعنةُ في الدارين، وكونُه مرفودًا من حيث أن كلَّ لعنة منها مُعِيْنةٌ ومُمِدّةٌ لصاحبتها ومؤيدةٌ لها. اهـ.